العنصرية في بريطانيا- من الشوارع إلى السياسة، نذير شؤم ديستوبي

انقضى عام كامل على هجوم ساوثبورت المشؤوم، الحادثة التي أوقدت شرارة اضطرابات عنصرية جامحة اجتاحت شوارع المملكة المتحدة. حشود متفلتة، مدفوعة بادعاءات زائفة تزعم أن الفاعل مسلم، اندفعت في موجة همجية من العنف، مستهدفة المساجد، والمتاجر المملوكة لمسلمين، والمساكن الخاصة، والأفراد الذين يُنظر إليهم على أنهم من المسلمين.
في خضم تلك الفوضى العارمة وتصاعد حدة أعمال الشغب، كنت منهمكًا في وضع اللمسات الأخيرة على روايتي الموسومة بـ "الظهور الثاني". تدور أحداث هذه الرواية في عالم مستقبلي بائس، تهيمن فيه ميليشيا مسيحية متطرفة، مستوحاة من النزعة القومية الإنجليزية المتعصبة، على مدينة لندن، وتحظر ممارسة شعائر الإسلام، وتقوم بترحيل المسلمين قسرًا إلى مخيمات لجوء مكتظة في برمنغهام.
إن الأحداث المروعة التي كانت تتكشف على أرض الواقع بينما كنت أكتب الفصول الأخيرة من الرواية، جعلتني أدرك بمرارة أننا اليوم نقترب بشكل مخيف من ذلك العالم الديستوبي الذي صورته في روايتي أكثر مما كنت أتخيل.
إن المشاهد والصور التي استلهمت منها هذا العالم الخيالي، هي انعكاس لإنجلترا التي عشت فيها خلال فترة شبابي، حيث كان العنف العنصري مستشريًا ومتفشيًا. كانت عصابات من الشبان البيض تتربص بنا، خاصة بعد إغلاق الحانات، في سلسلة متواصلة وممنهجة مما كانوا يطلقون عليه بسخرية "تحطيم الباكستانيين".
لم تكن الاعتداءات بالأسلحة البيضاء أو القنابل الحارقة أمرًا نادرًا، كما أن المطالبات الصارخة التي كانت تطلقها الجماعات اليمينية المتطرفة مثل "الجبهة الوطنية" و"الحزب الوطني البريطاني" بإعادة "المهاجرين" السود (أي غير البيض) إلى أوطانهم الأصلية لم تكن مستبعدة أبدًا.
في بعض الأحيان، كان الذهاب إلى المدرسة يعني الركض وسط حشد من الأطفال العنصريين الذين يطلقون الشتائم والتهديدات. وفي ساحة اللعب، كانوا في بعض الأحيان يحاصروننا، وهم يرددون أغانٍ وهتافات عنصرية بغيضة.
خلال فترة دراستي، فقدت القدرة على إحصاء عدد المرات التي تعرضت فيها لاعتداءات جسدية، سواء في المدرسة، أو في الشارع، أو في الحانات، أو في أماكن أخرى مختلفة.
عندما كنت أقيم في شرق لندن، انضممت إلى شباب منطقة بريك لين للدفاع عن أنفسنا، حيث كانت تدور معارك بالأيدي لصد جحافل المهاجمين العنصريين المتطرفين.
لم تكن هذه الاعتداءات حوادث فردية منعزلة، بل كانت مشاهد مماثلة تتكرر في جميع أنحاء البلاد، حيث كانت "الجبهة الوطنية" و"الحزب الوطني البريطاني" ينظمان مئات المسيرات الاستفزازية، مما منح العصابات البيضاء المتطرفة شعوراً أكبر بالجرأة والحصانة.
في تلك الفترة العصيبة، تم اعتقالي مع عدد من رفاقي، ووجهت إلينا تهمة باطلة هي "التآمر لصنع متفجرات" بسبب قيامنا بملء زجاجات الحليب بالبنزين بهدف الدفاع عن مجتمعاتنا في وجه العنف العنصري المتصاعد؛ وقد عُرفت قضيتنا لاحقًا باسم "برادفورد 12".
كانت هذه النضالات المريرة، سواء في بريك لين أو في برادفورد، جزءًا لا يتجزأ من معركة أوسع ضد العنصرية المؤسسية والأيديولوجيات اليمينية المتطرفة التي كانت تهدف إلى ترهيبنا وتقسيمنا وزرع الفتنة بيننا.
كان العنف العلني المباشر الذي نشهده في الشوارع خلال تلك السنوات أمرًا مرعبًا ومثيرًا للاشمئزاز، لكنه كان ينبع من هامش المجتمع. أما الطبقة السياسية الحاكمة، فرغم تواطئها الضمني، كانت تتجنب الاصطفاف العلني مع هذه الجماعات المتطرفة. وخير مثال على ذلك هو مارغريت تاتشر، التي صرحت في مقابلة تلفزيونية شهيرة عام 1978، عندما كانت زعيمة حزب المحافظين: "الناس يخشون بالفعل من أن يغرق هذا البلد بأشخاص ذوي ثقافة مختلفة".
كان ذلك تلميحًا خفيًا بالموافقة على خطاب الحشود العنصرية الغاضبة، إلا أن تاتشر، على الرغم من ذلك، عندما أصبحت رئيسة للوزراء، حافظت على مسافة محسوبة بينها وبين الجماعات اليمينية المتطرفة.
أما اليوم، فقد تلاشت تلك المسافة تمامًا. فرئيس الوزراء الحالي كير ستارمر وأعضاء بارزون آخرون في حزب العمال، يرددون باستمرار خطاب اليمين المتطرف الشعبوي، متعهدين بـ "التصدي بحزم" لأولئك الذين يسعون إلى إيجاد ملاذ آمن هنا.
ولم يكن سلفه المحافظ، ريشي سوناك، ووزراؤه في الحكومة مختلفين كثيرًا. فقد ادعت وزيرة داخليته، سويلا برافرمان، زورًا وبهتانًا أن عصابات الاستغلال الجنسي للأطفال يغلب عليها "ذكور بريطانيون من أصول باكستانية، يحملون قيمًا ثقافية تتعارض تمامًا مع القيم البريطانية".
وعلى الرغم من أن العنصرية البيضاء الفجة القديمة لم تختفِ تمامًا، فإن شكلاً أشد خبثًا وتخفيًا منها - الإسلاموفوبيا - قد جرى تأجيجه بشكل ممنهج على مدى العقود الماضية. ويبدو أن عصابات "ضرب الباكستانيين" القديمة قد استبدلت بموجة جديدة، تسعى إلى المساواة بين الإسلام والإرهاب، وبين الاستغلال الجنسي والباكستانيين، وبين طالبي اللجوء وجحافل طفيلية على وشك اجتياح البلاد.
هذه هي التربة الخصبة التي ترسخ فيها حزب "ريفورم" (Reform) ونما وازدهر، حيث باتت أشكال العنصرية الأكثر فجاجة ووقاحة تحظى بالاحترام والتأييد وتصبح قابلة للانتخاب. فعندما يصبح كلٌّ من حزب العمال والمحافظين مستنقعًا لشبكة معقدة من الفساد السياسي المستشري، يُقدَّم خطاب "ريفورم" المبسّط المعادي للمهاجرين والمليء برهاب الإسلام كبديل نزيه وجذاب.
وقد أوصل هذا الحزبَ اليميني المتطرف إلى صدارة استطلاعات الرأي، إذ يحظى بدعم 30 بالمئة من الناخبين، مقارنة بـ 22 بالمئة لحزب العمال، و17 بالمئة لحزب المحافظين.
وفي هذا السياق المثير للقلق، لم يكن من المستغرب أن تختار مجلة "الإيكونوميست" المرموقة، في الذكرى السنوية لأحداث الشغب المؤسفة، إجراء استطلاع رأي يركز بشكل أساسي على العِرق بدلاً من معالجة القضايا الملحة الأخرى مثل التدهور الاقتصادي المتسارع، والحرمان الاجتماعي العميق، وسياسات التقشف المستمرة التي يعاني منها الشعب العامل في هذا البلد.
وقد أظهر الاستطلاع أن نحو 50 بالمئة من السكان يعتقدون جازمين أن التعددية الثقافية لا تعود بأي فائدة على البلاد، فيما رأى 73 بالمئة أن "أعمال شغب عرقية" جديدة ستقع قريبًا لا محالة.
إن إذكاء نار العنصرية العنيفة في الداخل يسير جنبًا إلى جنب مع التاريخ الطويل والمشين لإنجلترا في ممارستها في الخارج. فالوجه الجديد للعنصرية يتغذى على الصور الاستعمارية القديمة التي تصور "الهمج" على أنهم بحاجة ماسة إلى الترويض والانتصار عليهم عبر "الحكم الاستعماري المتحضر". هذه الأيديولوجيات العنصرية البغيضة، التي كانت أساس تماسك الإمبراطورية البريطانية في الماضي، عادت اليوم لتستقر في الداخل.
وهي تتجلى بوضوح في العنف العنصري المتفشي في الشوارع، وفي قمع الدولة لمناصري القضية الفلسطينية العادلة، كما تتجلى في الدعم السياسي والعسكري الثابت الذي تقدمه المملكة المتحدة لإسرائيل دون قيد أو شرط، حتى وهي تقصف المستشفيات والمدارس في قطاع غزة المحاصر، وتجوّع الأطفال الأبرياء بوحشية.
لقد علّمت الإمبراطورية البريطانية الغاشمة كيفية استخدام العنصرية لتجريد شعوب بأكملها من إنسانيتها، بهدف تبرير الاستعمار السافر، والنهب المنظم، ونشر الحروب والمجاعات المدمرة. فالإبادة الجماعية جزء لا يتجزأ من الحمض النووي البريطاني، وهو ما يفسّر تواطؤها الحالي مع إسرائيل التي ترتكب جرائم إبادة جماعية.
في ظل هذا العنف العنصري والإمبريالي المتفشي، انتفض الناس من جميع الألوان والأعراق والأديان - ومن لا دين لهم - وبدأوا في التعبئة والمقاومة المشروعة. ورغم أنهم لم ينجحوا في إيقاف الإبادة الجماعية حتى الآن، فإنهم فضحوا الأكاذيب الوقحة والنفاق الصارخ للنخبة السياسية البريطانية الحاكمة. وحدها مثل هذه التضامنات القوية، وهذه المواجهة المباشرة للعنصرية البغيضة، قادرة على منع العالم الكابوسي الذي وصفته في روايتي من أن يتحول إلى واقع مرير.